أدوات قراءة التاريخ
لكل علم مصادره ومادته المتوفرة له؛ إلا التاريخ، فإن مادته هاربة باستمرار الزمن.. فهي مادة تمثل الماضي دائما.. فكيف يلتقط التاريخ تلك المادة التي تمثل الماضي الذي لن يعود؟
وماهي وسائله في استعادتها؟
وكيف يعيد المؤرخ بناء الماضي؟
وخاصة مؤرخو العصور الماضية، فمؤرخي اليوم محظوظين لتواجدهم في عصر من التكنولوجيا المتدفقة طوال الوقت، فبإمكانهم تسجيل هذا الزمن التاريخي الهارب دائما بالصور والوثائق والسجلات والإحصائيات والتسجيل الصوتي والمرئي وشهود العيان وأيضا مناهج التحليلن كما أن لديهم سهولة الانتقال المكاني والعلوم المساعدة لغاياتهم.
وعندما نعود للوراء نجد أن وسائل قراءة وتأريخ الزمن تتضاءل، وقد يكون هذا الوراء أبعد من اختراع الطباعة، بل وأبعد من اكتشاف (الورق) – الذي انتشر في القرن الثامن- حتى عصر اكتشاف الأبجدية في القرن (16-18) قبل الميلاد..فنجد أننا تجاوزنا التاريخ ودخلنا إلى ما قبل التاريخ وأصبحنا نتلمس المعرفة بالقرائن وبقايا الأدوات والأساطير، وبالتالي نجد أن وسائل التاريخ تختلف من عصر لآخر بل من بلد إلى بلد، فكل عصر أو بلد مصادره التاريخية المختلفة حسب الظروف التي حفظت تلك المعرفة.
لهذا نجد أن المؤرخ ينطلق من تلك الشواهد التي حُفظت ليعيد بناء الماضي المجهول.
ونجد أن البقايا متفاوتة في الشكل والقيمة – في الكمية والوجود بل من صحتها ومدى الثقة التي تمنحها إياها..
لهذا وجدت أن الرواية في التاريخ مصدراً مهماً للغاية بجانب أهمية الآثار الباقية.
التاريخ والرواية
1- الرواية الشفهية: وهي مادة التاريخ الأولية والدائمة، فالإنسان قبل أن يعرف الكتابة وطرقها وأدواتها كان يروي تاريخه شفهياً، وقد اتخذت الرواية مع مرور الوقت شكل الأساطير، وبالتالي يستقي المؤرخ من بقايا تلك الأساطير المادة التي تعرفه على هذا الماضي المندثر. كما فعل المرخون مع ملحمتي الإلياذة والأوديسة لمعرفة التاريخ اليوناني القديم، وعبر ملاحم المهابهاراتا والرامايانا والبورانا وكتب الفيدا عرف تاريخ الهند الأول – لأن تلك الاساطير تنسج حول نواة من الواقع والمبالغات فيها تاتي من معطيات أولية حقيقية.
2- الرواية المكتوبة: وهي مادة التاريخ الأساسية منذ وجدت الكتابة، فالمؤرخين القدامى هم من سجلوا تلك الوقائع والمشاهدات والروايات الشفهية التي مثلت أول درجات التأريخ.
التاريخ في الآثار والوثائق:
3- الآثار: وتزداد قيمتها كلما أوغلنا بحثاً رجوعاً في الزمن، لتصبح في بعض الأحيان وخاصة العصور القديمة مصادر التاريخ الوحيدة، فنجد أن الشعوب بدافع من عقائدها الدينية على الأغلب، أو بسبب رغبات الملوك أو للحاجات اليومية تركت آثارها على الأراضي التي عاشت فيها وبالتالي تبنى معرفتنا بناء على تلك الآثار مثل حضارات الهند والصين والفراعنة والرومان وشعوب أفريقيا وشعوب أمريكا قبل اكتشافها وغيرها..، ونجد أن بعض النكبات التي حلت ببعض الشعوب كاندثار بومبي تحت رماد فيزوف (79م) أو تدمير نينوى الكامل (612 ق.م) قد ترك لنا آثاراً تكشف عن تلك الشعوب، والآثار قد تكون أبنية، قطع فنية (نقوش- تماثيل- حلي) أو أدوات العمل والحياة (آنية- أسلحة- أدوات- نسيج- نقود- بردى).
4- الكتابة الأثرية: وهي وثائق العصور القديمة فمعظم الحضارات السابقة سجلت آثارها وما تريد قوله للأجيال القادمة بكتابات شتى، فحين حل شمبوليون رموز الهيروغليفية أضاف للتاريخ ثلاثة آلاف سنة.
5- الوثائق: وهي تجمع ما بين السجلات والصكوك والمراسلات، لكنها كانت نادرة في العصور القديمة وقليلة في العصور الوسطى لكنها تمثل فيض هائل في العصور الحديثة.
وفوق كل هذا يستفيد التاريخ الآن من كشوف الأنثروبولوجيا والسيكولوجيا وعلم الاجتماع واللغويات وعلوم الاقتصاد والاحصاء والفولكلور والطب وغيرها من العلوم، فالتاريخ يحاول ان يحتضن الإنسان بكل أبعاده شرط أن يكون المؤرخ (أو القارئ للتاريخ) قادر على استنطاق تلك الوسائل وهذه العلوم.
منقول من مجله مدارات : http://madarat.info/archives/205
لكل علم مصادره ومادته المتوفرة له؛ إلا التاريخ، فإن مادته هاربة باستمرار الزمن.. فهي مادة تمثل الماضي دائما.. فكيف يلتقط التاريخ تلك المادة التي تمثل الماضي الذي لن يعود؟
وماهي وسائله في استعادتها؟
وكيف يعيد المؤرخ بناء الماضي؟
وخاصة مؤرخو العصور الماضية، فمؤرخي اليوم محظوظين لتواجدهم في عصر من التكنولوجيا المتدفقة طوال الوقت، فبإمكانهم تسجيل هذا الزمن التاريخي الهارب دائما بالصور والوثائق والسجلات والإحصائيات والتسجيل الصوتي والمرئي وشهود العيان وأيضا مناهج التحليلن كما أن لديهم سهولة الانتقال المكاني والعلوم المساعدة لغاياتهم.
وعندما نعود للوراء نجد أن وسائل قراءة وتأريخ الزمن تتضاءل، وقد يكون هذا الوراء أبعد من اختراع الطباعة، بل وأبعد من اكتشاف (الورق) – الذي انتشر في القرن الثامن- حتى عصر اكتشاف الأبجدية في القرن (16-18) قبل الميلاد..فنجد أننا تجاوزنا التاريخ ودخلنا إلى ما قبل التاريخ وأصبحنا نتلمس المعرفة بالقرائن وبقايا الأدوات والأساطير، وبالتالي نجد أن وسائل التاريخ تختلف من عصر لآخر بل من بلد إلى بلد، فكل عصر أو بلد مصادره التاريخية المختلفة حسب الظروف التي حفظت تلك المعرفة.
لهذا نجد أن المؤرخ ينطلق من تلك الشواهد التي حُفظت ليعيد بناء الماضي المجهول.
ونجد أن البقايا متفاوتة في الشكل والقيمة – في الكمية والوجود بل من صحتها ومدى الثقة التي تمنحها إياها..
لهذا وجدت أن الرواية في التاريخ مصدراً مهماً للغاية بجانب أهمية الآثار الباقية.
التاريخ والرواية
1- الرواية الشفهية: وهي مادة التاريخ الأولية والدائمة، فالإنسان قبل أن يعرف الكتابة وطرقها وأدواتها كان يروي تاريخه شفهياً، وقد اتخذت الرواية مع مرور الوقت شكل الأساطير، وبالتالي يستقي المؤرخ من بقايا تلك الأساطير المادة التي تعرفه على هذا الماضي المندثر. كما فعل المرخون مع ملحمتي الإلياذة والأوديسة لمعرفة التاريخ اليوناني القديم، وعبر ملاحم المهابهاراتا والرامايانا والبورانا وكتب الفيدا عرف تاريخ الهند الأول – لأن تلك الاساطير تنسج حول نواة من الواقع والمبالغات فيها تاتي من معطيات أولية حقيقية.
2- الرواية المكتوبة: وهي مادة التاريخ الأساسية منذ وجدت الكتابة، فالمؤرخين القدامى هم من سجلوا تلك الوقائع والمشاهدات والروايات الشفهية التي مثلت أول درجات التأريخ.
التاريخ في الآثار والوثائق:
3- الآثار: وتزداد قيمتها كلما أوغلنا بحثاً رجوعاً في الزمن، لتصبح في بعض الأحيان وخاصة العصور القديمة مصادر التاريخ الوحيدة، فنجد أن الشعوب بدافع من عقائدها الدينية على الأغلب، أو بسبب رغبات الملوك أو للحاجات اليومية تركت آثارها على الأراضي التي عاشت فيها وبالتالي تبنى معرفتنا بناء على تلك الآثار مثل حضارات الهند والصين والفراعنة والرومان وشعوب أفريقيا وشعوب أمريكا قبل اكتشافها وغيرها..، ونجد أن بعض النكبات التي حلت ببعض الشعوب كاندثار بومبي تحت رماد فيزوف (79م) أو تدمير نينوى الكامل (612 ق.م) قد ترك لنا آثاراً تكشف عن تلك الشعوب، والآثار قد تكون أبنية، قطع فنية (نقوش- تماثيل- حلي) أو أدوات العمل والحياة (آنية- أسلحة- أدوات- نسيج- نقود- بردى).
4- الكتابة الأثرية: وهي وثائق العصور القديمة فمعظم الحضارات السابقة سجلت آثارها وما تريد قوله للأجيال القادمة بكتابات شتى، فحين حل شمبوليون رموز الهيروغليفية أضاف للتاريخ ثلاثة آلاف سنة.
5- الوثائق: وهي تجمع ما بين السجلات والصكوك والمراسلات، لكنها كانت نادرة في العصور القديمة وقليلة في العصور الوسطى لكنها تمثل فيض هائل في العصور الحديثة.
وفوق كل هذا يستفيد التاريخ الآن من كشوف الأنثروبولوجيا والسيكولوجيا وعلم الاجتماع واللغويات وعلوم الاقتصاد والاحصاء والفولكلور والطب وغيرها من العلوم، فالتاريخ يحاول ان يحتضن الإنسان بكل أبعاده شرط أن يكون المؤرخ (أو القارئ للتاريخ) قادر على استنطاق تلك الوسائل وهذه العلوم.
منقول من مجله مدارات : http://madarat.info/archives/205