هيس .. صفحة مجهولة من التاريخ
مدارات تاريخية 20 مارس, 2008
التاريخ : 10 مايو من العام 1941 .. تقطع الإذاعة البريطانية برامجها فجاة لتذيع خبرا عاجلا ..
” من القيادة العامة إلي جميع وحدات الدفاع الجوي : اخترقت طائرة معادية المجال الجوي متجهة نحو (جلاسجو) ، ولم تتحدد هويتها حتى الآن ، ولكن يجب اعتبارها طائرة على أية حال طائرة معادية . الطائرة تواجه بعض المتاعب ، وعلى جميع رجال البوليس الانتباه والإبلاغ فور هبوطها مباشرة . انتهى ”
بالفعل حطت الطائرة المذكورة في الريف الاسكتلندي وخرج منها الطيار سليما ليجد وجها متحفزا لفلاح بريطاني ..
_ نعم . انا الكابتن ألفريد هورن . معي رسالة عاجلة للورد هاميلتون .
كان لذكر اللورد هاميلتون _ أحد أهم ساسة بريطانيا _ مفعول السحر ، فبمجرد أن أشرقت شمس اليوم التالي تم اللقاء بين الرجلين . سياسي بريطاني وطيار ألماني في زمن الحرب العالمية الثانية . اللقاء الذى حمل إلى اللورد هاميلتون إحدي أغرب مفاجآت الحرب علي الإطلاق . بدأ الطيار الألماني الحديث بتعريف نفسه ، وهو أغرب ما في الموضوع ..
” سيدي اللورد أنا رودلف هيس ”
لندرك حجم المفاجاة التي تعرض لها اللورد يكفي أن نعلم ان هيس كان النائب الأول لهتلر و الرجل الثالث في الرايخ (الدولة الألمانية) بعد هتلر وجورنج ، وكان المسؤول الأول عن وضع السياسة العامة للحزب النازي كما كان مسؤولا عن معسكرات التعذيب التابعة للجيش الألماني . أما عن صلته الشخصية بهتلر .. فكان هيس أقرب الأصدقاء إلى هتلر ، ورفيق سجنه ، وهو من ساهم في وضع الخطوط العامة لكتاب هتلر الشهير ( كفاحي ) ، بل إن هتلر نفسه كان شاهدا علي عقد زواج هيس كأحد أصدقائه .
ولم ينتظر هيس ان يفيق اللورد من المفاجأة الأولى فتبعها بالمفاجأة الأهم ..
” سيدي أنا رسول سلام من الفوهرر _ يقصد هتلر _ إنه يريد وقف الحرب ”
أفاق اللورد من ذهوله .. فأمر ..
” لابد من استدعاء مترجم فورا . لو صح ما فهمته فالأمر بالغ الخطورة . أعطى اللورد اوامره بتشديد الحراسة على (هيس) واتجه لمقابلة اهم شخصية في برطانيا في زمن الحرب .. (ونستون تشرشل ) نفسه .
لم يصدق ( تشرشل ) في البداية ما جاء به اللورد هاميلتون ، ثم تمالك أعصابه . أسئلة عديدة كانت تدور في ذهنه ..
” فلنفترض انه ( هيس ) حقا .. ماذا يريد ؟ ، ولماذا جاء بهذه الطريقة ، ولماذا لم تذع ألمانيا بيانا رسميا عن رحلته ؟؟ ”
حمل اللورد تساؤلات ( تشرشل ) إلي ( هيس ) في محبسه ..
بدأ هيس عرض قضيته ..
” لقد جئت شخصيا كي أقنع ( تشرشل ) أنه لا أمل أن تفوز بريطانيا بالحرب وأنه من الحكمة البدء بمفاوضات السلام . الجيش البريطاني طرد من أوروبا كلها منذ عام كامل ، وليست لديه القدرة على العودة . الغارات الألمانية على بريطانيا سوف تشتد . ستموتون جوعا”
عاد اللورد إلي ( تشرشل ) يحمل مطالب ( هيس ) في نقاط محددة ..
أولا .. تسيطر ألمانيا علي أوروبا كلها ومستعمراتها في افريقيا ، وفي نفس الوقت تسيطر بريطانيا على مستعمراتها وراء البحار .
ثانيا .. استقالة ( تشرشل ) و تعيين رئيس وزراء جديد يثق به هتلر ويستطيع التفاهم معه .
كانت مطالب ( هيس ) صعبة تكاد تدخل في نطاق المستحيل ولكن بالرجوع إلي تاريخ الاحداث نجد أن بريطانيا في مايو من العام1941 كانت في موقف حرج . فقد سيطر هتلر على أوروبا تقريبا . بل إن الطائرات الألمانية دكت أراضي بريطانيا بأكثر من 900 ألف طن من القنابل ليلة القبض على ( هيس ) . وبتحالف ( هتلر ) مع
( موسوليني ) في ايطاليا تعاظمت قوة هتلر وتضاعف الخطر النازي . لقد كان ( هيس ) يتحدث من موقع القوة وكان عرضه _ رغم خطورته _ يعرض فرصة لا تعوض لوقف نزيف الدماء في حرب كادت ان تدمر العالم المتحضر … فرصة تحتاج من ( تشرشل ) أن يتخلى عن عدائه السياسي لألمانيا و عدائه الشخصي لهتلر ، ويفكر في مستقبل وطنه .. بريطانيا .
وبينما يصارع تشرشل أفكاره كان هيس يخفي مفاجأة أخرى اتضحت بعد الزيارة بأيام ثلاثة . مفاجأة قلبت الأحداث مرة أخرى .تتضح المفاجأة في مذكرات ( هيس ) الشخصية التي نشرت بعد ذلك ..
” كانت مبادرة فردية مني دون علم الفوهرر . كنت مقتنعا اننا سنهزم حتما لو لم نتحالف مع بريطانيا في مواجهة الاتحاد السوفييتي ، ولكن لم يكن مفيدا لهتلر أن يعلم بنيتي حفظا لماء وجه ألمانيا ، فلو نجحت في مهمتي فأنا موفد من هتلر لانهاء ويلات الحرب بين ألمانيا وبريطانيا ، و إن فشلت أتحمل انا الفشل وحدي ”
(ترجم بتصرف عن الألمانية )
وعلى الجانب الألماني كان الموقف أيضا غامضا . لقد وصل خبر اقلاع ( هيس ) بالطائرة وحيدا إلى ( هتلر ) بعد اقلاعها ب 4 ساعات . كانت مفاجأة لهتلر ولكن كان عليه انتظار موقف بريطانيا من الزيارة ليتخذ قراره . مضت الأيام الثلاثة الأولى دون أخبار ، وهو ما ضاعف من قلقه . فكر …
” هل سقط ( هيس ) في البحر ؟ . هل أسقطته مدفعية بريطانيا المضادة للطائرات ؟ . هل يحاول البريطانيون الآن الحصول على معلومات سرية منه ”
و كان الاحتمال الأكثر خطورة أن يصل الخبر الى حليفه ( موسوليني ) في ايطاليا ، فيتصور محاولة ألمانيا عقد صلح منفرد مع بريطانيا من وراء ظهره . الاحتمالات متعددة ، والأجواء مشحونة ، ولا أخبار في الأفق . صحيح أن ( هيس ) رجله وصديقه ولكن ألمانيا فوق الجميع ، وبعد تفكير أصدر هتلر بيانا رسميا ..
” يعلن الحزب الوطني الاشتراكي ( الحزب النازي ) رسميا أن عضو الحزب ( رودلف هيس ) كان يعاني المرض النفسي لسنوات طويلة .. الأمر الذى أدى إلى منعه من الطيران ، ولكنه استطاع _مخالفا للتعليمات _ حيازة طائرة والاقلاع بها إلى جهة مجهولة ، و نخشى أن يكون قد وقع فريسة للهلوسة ”
بالبيان السابق تخلى ( هتلر ) عن نائبه المغامر ، وكتب نفس البيان الصفحة الأخيرة في حياة ( هيس ) كرجل حر . البريطانيين لن يتفاوضوا مع رجل أعلن رئيسه اختلاله عقليا ، وبالتأكيد لن يسمحوا بعودة النائب الأول لهتلر إلى ألمانيا في زمن الحرب . لقد أصبح ( هيس ) أسير حرب في يد أعدائه . وفي مقابل البيان الألماني .. صدر قرار ( تشرشل )
_ يعامل السيد ( هيس) معاملة أسرى الحرب على أن يتبع وزارة الحربية لا وزارة الداخلية .
_ يجب أن يعزل في مكان مناسب ، وتبذل الجهود لدراسة حالته العقلية وإمكانية الحصول منه على أي معلومات تفيد الامبراطورية في حربها ضد ألمانيا .
_ توفير الرعاية الصحية والكتب والغذاء وأدوات الكتابة ويحظر تماما اتصاله بالعالم الخارجي أو استقبال الضيوف إلا بتعليمات من وزارة الخارجية ، وتعيين حراسة خاصة له ، كما يمنع من قراءة الصحف أو متابعة الاذاعات ، ويعامل معاملة كريمة كجنرال كبير في الأسر .
لقد كان للحرب العالمية نتائجها التي أدت في النهاية إلي إقصاء بريطانيا عن موقع القيادة للعالم الحر تاركة مركزها للقوتين المتنافستين : أمريكا والاتحاد السوفييتي ، وما تبع ذلك من سلسلة أحداث شكلت في النهاية عالمنا المعاصر .، وبالتأكيد كان ( هيس ) نازيا متعصبا باعترافه شخصيا ، ولكنه لأيام ثلاثة كان على وشك تغيير العالم كما نعرفه ولكن الحلم في زمن الحرب وفي مهنة السياسة له عواقبه ، و الإخلاص للحلم له ثمن دفعه ( هيس ) غاليا .
هيس .. من الابراهيمية إلي شبانداو .
عن الابراهيمية يحكي هيس ..
حياتي بدأت في الابراهيمية في 26 ابريل سنة 1894 . أبي جاء إلى مصر ليعمل بتجارة الجملة . تصحبه عروسه الجميلة .. أمي . أذكر حياتنا في الابراهيمية تماما . أذكر حديقة منزلنا بزهورها ، وعبقها . أذكر رياح الخماسين الساخنة ، ونسيم البحر البارد بمذاقه المالح . أذكر رياح الشتاء ، و أمواج البحر تتلاطم عند الأفق ، فتبدو أشبه بقطع الثلج البيضاء وسط زرقة المياه الداكنة .أذكر سماء مصر بنجومها اللامعة وحكايات أمي عن النجوم و أذكر هوايتي في جمع باقات الفل الأبيض .
سافرت إلى ألمانيا وعمري 14 عاما ، وعلى الباخرة وقفنا نتأمل الاسكندرية والشاطئ يختفي بالتدريج حتى لم نعد نرى إلا مياه البحر تحوطنا من كل جانب .
*****
وتمضي الأحداث برودلف هيس .. طالبا في الجامعة ومتطوعا في الجيش ثم يتعرف بأدولف هتلر ليصبح العضو رقم 16 في ترتيب الانضمام للحزب النازي وأحد أقرب الناس إلي هتلر . يشاركه محاولة الانقلاب الفاشلة أو ما سمي ( انقلاب قاعة البيرة ) وما تلاها من السجن ثم التحرر وصعود نجم هتلر حتي وصوله إلى أعلى السلطات في ألمانيا ، واشتعال الحرب العالمية الثانية نتيجة لأحلام هتلر التوسعية . ثم رحلة ( هيس ) المشؤومة إلي بريطانيا .
بعد 4 سنوات من رحلته المفاجئة إلى بريطانيا عاد ( هيس ) النائب الأول لهتلر في زمن الحرب إلي ألمانيا . يقول في مذكراته ..
” نظرت من النافذة لأرى ألمانيا راكعة .. جريحة ، و نورمبرج منكسة الرأس . نعم ، رأيت ألمانيا وكأنها تبكي . ”
وفي نورمبرج بدأت محاكمة قادة النازية وقد غاب عنها الأربعة الكبار ..
هتلر .. وكان قد انتحر في 30 ابريل 1945 مع صديقته ايفا براون ، وقد أحرقت جثته .
هملر .. وقد انتحر بتناول السم أثناء استجوابه .
جوبلز .. سمم أطفاله و أطلق الرصاص على زوجته ، ثم انتحر بعد سقوط برلين .
و روبرت لاي .. انتحر بأن شنق نفسه بمنشفة للوجه .
وفي المحاكمة أعلن هيس ..
” إنني أؤكد لكم أني أتحمل المسؤولية كاملة عن كل ورقة وقعتها أو اشتركت في توقيعها مع آخرين . إن رأيي من حيث المبدأ بعدم اختصاص المحكمة لا يؤثر في إقرار مسؤوليتي كاملة ”
وبعد 217 يوما من بدء المحاكمة صدرت الأحكام و كان الحكم على ( هيس ) بالحكم مدي الحياة في قلعة شبانداو . وهكذا تحول النائب الاول لرئيس الدولة إلي السجين رقم 7 في الزنزانة 23 بقلعة شبانداو تحرسه قوات دول الحلفاء الأربعة ( بريطانيا وفرنسا وأمريكا والاتحاد السوفييتي ) بالتبادل . وتحولت قلعة شبانداو إلى أحصن سجون العالم تحرسها قوات الدول الأربعة العظمى على مدار العام .
كان يصحبه في سجنه زملائه من قادة النازية ، وبالتدريج مات منهم من مات وانتحر من انتحر و منهم من تم الإفراج عنه لأسباب صحية أو بعد قضاء مدته ليصبح هيس هو السجين الوحيد في قلعة شبانداو . وبتقييم وضع السجين و الحراسة المفروضة نجده استحق بجدارة لقب أغلى سجين في العالم .
والواقع أن هيس لم يفرج عنه لأسباب عديدة ..
فقد كان ( هيس ) مسؤولا لفترة عن معسكرات التعذيب في أوشفيتز ، وهو ما جر عليه غضب الكثيرين ، ومنهم اليهود بالطبع . ويظل ( هيس ) أيضا هو الوحيد من قادة النازية الذى أعلن ثباته على مواقفه السياسية ، وان هتلر زعيمه ، وأنه سيظل نازيا رغم كل شئ .
، أما السبب الرئيسي فهو رفض الاتحاد السوفييتي الصارم للافراج عنه . لقد كانت ألمانيا مقسمة إلي شرقية وغربية ، وكانت قلعة شبانادو في قلب ألمانيا الغربية ؟، إن قرارات محكة نورمبرج أعطت للروس و الامريكان والفرنسيين والانجليز حق الحراسة في شبانداو وبالتالي فإن القوات الروسية تخترق برلين الغربية بمنتهي الحرية متجهة إلى شبانداو . إن وجود ( هيس ) في ألمانيا الغربية هو مسمار جحا للسوفييت ، وإذا نزع المسمار فإن جحا الروسي لن يدخل برلين الغربية .
في العام 1968 كان الالتماس الثالث للافراج عنه .. جاء فيه ..
” إن هيس يبلغ الآن 74 عاما . وهو مسجون منذ 28 عاما . هناك العديد من الشخصيات البارزة في العالم تطلب الافراج عنه ، ومنهم ( تشرشل ) ذاته . لقد أعلنتم ان العام 1968 هو عام حقوق الانسان ، فهل لي أن أقترح إعادة النظر في قضية ( هيس ) علي أساس إنساني بحت ؟! ”
وجاء الرد بالرفض
في العام 1971 كتب هيس في مذكراته ..
” الآن انا السجين الوحيد في شبانداو بعد موت البعض والافراج عن الباقي. مسجون منذ 30 عاما
. الزنزانة عالمي ، وإلى متي سأبقى هنا ؟ . هذا علمه عند السماء ”
واستمر ( هيس ) في زنزانته لأبعد من ذلك . ل16 عاما اخرى بعد السطور السابقة . وحيد في سجن تحرسه 4 دول نسيت خلافاتها وتفرغت لحراسة عجوز في التسعين من عمره .
وفي العام 1987 نجحت محاولة ( هيس ) الثالثة للانتحار . كان هيس آخر النازيين الذين حوكموا في نورمبرج وقد مات عن عمر 92 عاما .
وينشر طبيبه المعالج في السجن حوارا له مع ( هيس ) .. جاء فيه ..
_ هيس .. هل لو عادت الأمور مرة أخرى .. هل تسلك نفس الطريق ..؟
وبعناد يرد السجين ..
_ بلا شك . سأسلك نفس الطريق وسأنتهي هنا في سجن شبانداو أيضا ..
منقول من مجله مدارات الالكترونيه ..
رابط المقاله :http://madarat.info/archives/351[/b]
مدارات تاريخية 20 مارس, 2008
التاريخ : 10 مايو من العام 1941 .. تقطع الإذاعة البريطانية برامجها فجاة لتذيع خبرا عاجلا ..
” من القيادة العامة إلي جميع وحدات الدفاع الجوي : اخترقت طائرة معادية المجال الجوي متجهة نحو (جلاسجو) ، ولم تتحدد هويتها حتى الآن ، ولكن يجب اعتبارها طائرة على أية حال طائرة معادية . الطائرة تواجه بعض المتاعب ، وعلى جميع رجال البوليس الانتباه والإبلاغ فور هبوطها مباشرة . انتهى ”
بالفعل حطت الطائرة المذكورة في الريف الاسكتلندي وخرج منها الطيار سليما ليجد وجها متحفزا لفلاح بريطاني ..
_ نعم . انا الكابتن ألفريد هورن . معي رسالة عاجلة للورد هاميلتون .
كان لذكر اللورد هاميلتون _ أحد أهم ساسة بريطانيا _ مفعول السحر ، فبمجرد أن أشرقت شمس اليوم التالي تم اللقاء بين الرجلين . سياسي بريطاني وطيار ألماني في زمن الحرب العالمية الثانية . اللقاء الذى حمل إلى اللورد هاميلتون إحدي أغرب مفاجآت الحرب علي الإطلاق . بدأ الطيار الألماني الحديث بتعريف نفسه ، وهو أغرب ما في الموضوع ..
” سيدي اللورد أنا رودلف هيس ”
لندرك حجم المفاجاة التي تعرض لها اللورد يكفي أن نعلم ان هيس كان النائب الأول لهتلر و الرجل الثالث في الرايخ (الدولة الألمانية) بعد هتلر وجورنج ، وكان المسؤول الأول عن وضع السياسة العامة للحزب النازي كما كان مسؤولا عن معسكرات التعذيب التابعة للجيش الألماني . أما عن صلته الشخصية بهتلر .. فكان هيس أقرب الأصدقاء إلى هتلر ، ورفيق سجنه ، وهو من ساهم في وضع الخطوط العامة لكتاب هتلر الشهير ( كفاحي ) ، بل إن هتلر نفسه كان شاهدا علي عقد زواج هيس كأحد أصدقائه .
ولم ينتظر هيس ان يفيق اللورد من المفاجأة الأولى فتبعها بالمفاجأة الأهم ..
” سيدي أنا رسول سلام من الفوهرر _ يقصد هتلر _ إنه يريد وقف الحرب ”
أفاق اللورد من ذهوله .. فأمر ..
” لابد من استدعاء مترجم فورا . لو صح ما فهمته فالأمر بالغ الخطورة . أعطى اللورد اوامره بتشديد الحراسة على (هيس) واتجه لمقابلة اهم شخصية في برطانيا في زمن الحرب .. (ونستون تشرشل ) نفسه .
لم يصدق ( تشرشل ) في البداية ما جاء به اللورد هاميلتون ، ثم تمالك أعصابه . أسئلة عديدة كانت تدور في ذهنه ..
” فلنفترض انه ( هيس ) حقا .. ماذا يريد ؟ ، ولماذا جاء بهذه الطريقة ، ولماذا لم تذع ألمانيا بيانا رسميا عن رحلته ؟؟ ”
حمل اللورد تساؤلات ( تشرشل ) إلي ( هيس ) في محبسه ..
بدأ هيس عرض قضيته ..
” لقد جئت شخصيا كي أقنع ( تشرشل ) أنه لا أمل أن تفوز بريطانيا بالحرب وأنه من الحكمة البدء بمفاوضات السلام . الجيش البريطاني طرد من أوروبا كلها منذ عام كامل ، وليست لديه القدرة على العودة . الغارات الألمانية على بريطانيا سوف تشتد . ستموتون جوعا”
عاد اللورد إلي ( تشرشل ) يحمل مطالب ( هيس ) في نقاط محددة ..
أولا .. تسيطر ألمانيا علي أوروبا كلها ومستعمراتها في افريقيا ، وفي نفس الوقت تسيطر بريطانيا على مستعمراتها وراء البحار .
ثانيا .. استقالة ( تشرشل ) و تعيين رئيس وزراء جديد يثق به هتلر ويستطيع التفاهم معه .
كانت مطالب ( هيس ) صعبة تكاد تدخل في نطاق المستحيل ولكن بالرجوع إلي تاريخ الاحداث نجد أن بريطانيا في مايو من العام1941 كانت في موقف حرج . فقد سيطر هتلر على أوروبا تقريبا . بل إن الطائرات الألمانية دكت أراضي بريطانيا بأكثر من 900 ألف طن من القنابل ليلة القبض على ( هيس ) . وبتحالف ( هتلر ) مع
( موسوليني ) في ايطاليا تعاظمت قوة هتلر وتضاعف الخطر النازي . لقد كان ( هيس ) يتحدث من موقع القوة وكان عرضه _ رغم خطورته _ يعرض فرصة لا تعوض لوقف نزيف الدماء في حرب كادت ان تدمر العالم المتحضر … فرصة تحتاج من ( تشرشل ) أن يتخلى عن عدائه السياسي لألمانيا و عدائه الشخصي لهتلر ، ويفكر في مستقبل وطنه .. بريطانيا .
وبينما يصارع تشرشل أفكاره كان هيس يخفي مفاجأة أخرى اتضحت بعد الزيارة بأيام ثلاثة . مفاجأة قلبت الأحداث مرة أخرى .تتضح المفاجأة في مذكرات ( هيس ) الشخصية التي نشرت بعد ذلك ..
” كانت مبادرة فردية مني دون علم الفوهرر . كنت مقتنعا اننا سنهزم حتما لو لم نتحالف مع بريطانيا في مواجهة الاتحاد السوفييتي ، ولكن لم يكن مفيدا لهتلر أن يعلم بنيتي حفظا لماء وجه ألمانيا ، فلو نجحت في مهمتي فأنا موفد من هتلر لانهاء ويلات الحرب بين ألمانيا وبريطانيا ، و إن فشلت أتحمل انا الفشل وحدي ”
(ترجم بتصرف عن الألمانية )
وعلى الجانب الألماني كان الموقف أيضا غامضا . لقد وصل خبر اقلاع ( هيس ) بالطائرة وحيدا إلى ( هتلر ) بعد اقلاعها ب 4 ساعات . كانت مفاجأة لهتلر ولكن كان عليه انتظار موقف بريطانيا من الزيارة ليتخذ قراره . مضت الأيام الثلاثة الأولى دون أخبار ، وهو ما ضاعف من قلقه . فكر …
” هل سقط ( هيس ) في البحر ؟ . هل أسقطته مدفعية بريطانيا المضادة للطائرات ؟ . هل يحاول البريطانيون الآن الحصول على معلومات سرية منه ”
و كان الاحتمال الأكثر خطورة أن يصل الخبر الى حليفه ( موسوليني ) في ايطاليا ، فيتصور محاولة ألمانيا عقد صلح منفرد مع بريطانيا من وراء ظهره . الاحتمالات متعددة ، والأجواء مشحونة ، ولا أخبار في الأفق . صحيح أن ( هيس ) رجله وصديقه ولكن ألمانيا فوق الجميع ، وبعد تفكير أصدر هتلر بيانا رسميا ..
” يعلن الحزب الوطني الاشتراكي ( الحزب النازي ) رسميا أن عضو الحزب ( رودلف هيس ) كان يعاني المرض النفسي لسنوات طويلة .. الأمر الذى أدى إلى منعه من الطيران ، ولكنه استطاع _مخالفا للتعليمات _ حيازة طائرة والاقلاع بها إلى جهة مجهولة ، و نخشى أن يكون قد وقع فريسة للهلوسة ”
بالبيان السابق تخلى ( هتلر ) عن نائبه المغامر ، وكتب نفس البيان الصفحة الأخيرة في حياة ( هيس ) كرجل حر . البريطانيين لن يتفاوضوا مع رجل أعلن رئيسه اختلاله عقليا ، وبالتأكيد لن يسمحوا بعودة النائب الأول لهتلر إلى ألمانيا في زمن الحرب . لقد أصبح ( هيس ) أسير حرب في يد أعدائه . وفي مقابل البيان الألماني .. صدر قرار ( تشرشل )
_ يعامل السيد ( هيس) معاملة أسرى الحرب على أن يتبع وزارة الحربية لا وزارة الداخلية .
_ يجب أن يعزل في مكان مناسب ، وتبذل الجهود لدراسة حالته العقلية وإمكانية الحصول منه على أي معلومات تفيد الامبراطورية في حربها ضد ألمانيا .
_ توفير الرعاية الصحية والكتب والغذاء وأدوات الكتابة ويحظر تماما اتصاله بالعالم الخارجي أو استقبال الضيوف إلا بتعليمات من وزارة الخارجية ، وتعيين حراسة خاصة له ، كما يمنع من قراءة الصحف أو متابعة الاذاعات ، ويعامل معاملة كريمة كجنرال كبير في الأسر .
لقد كان للحرب العالمية نتائجها التي أدت في النهاية إلي إقصاء بريطانيا عن موقع القيادة للعالم الحر تاركة مركزها للقوتين المتنافستين : أمريكا والاتحاد السوفييتي ، وما تبع ذلك من سلسلة أحداث شكلت في النهاية عالمنا المعاصر .، وبالتأكيد كان ( هيس ) نازيا متعصبا باعترافه شخصيا ، ولكنه لأيام ثلاثة كان على وشك تغيير العالم كما نعرفه ولكن الحلم في زمن الحرب وفي مهنة السياسة له عواقبه ، و الإخلاص للحلم له ثمن دفعه ( هيس ) غاليا .
هيس .. من الابراهيمية إلي شبانداو .
عن الابراهيمية يحكي هيس ..
حياتي بدأت في الابراهيمية في 26 ابريل سنة 1894 . أبي جاء إلى مصر ليعمل بتجارة الجملة . تصحبه عروسه الجميلة .. أمي . أذكر حياتنا في الابراهيمية تماما . أذكر حديقة منزلنا بزهورها ، وعبقها . أذكر رياح الخماسين الساخنة ، ونسيم البحر البارد بمذاقه المالح . أذكر رياح الشتاء ، و أمواج البحر تتلاطم عند الأفق ، فتبدو أشبه بقطع الثلج البيضاء وسط زرقة المياه الداكنة .أذكر سماء مصر بنجومها اللامعة وحكايات أمي عن النجوم و أذكر هوايتي في جمع باقات الفل الأبيض .
سافرت إلى ألمانيا وعمري 14 عاما ، وعلى الباخرة وقفنا نتأمل الاسكندرية والشاطئ يختفي بالتدريج حتى لم نعد نرى إلا مياه البحر تحوطنا من كل جانب .
*****
وتمضي الأحداث برودلف هيس .. طالبا في الجامعة ومتطوعا في الجيش ثم يتعرف بأدولف هتلر ليصبح العضو رقم 16 في ترتيب الانضمام للحزب النازي وأحد أقرب الناس إلي هتلر . يشاركه محاولة الانقلاب الفاشلة أو ما سمي ( انقلاب قاعة البيرة ) وما تلاها من السجن ثم التحرر وصعود نجم هتلر حتي وصوله إلى أعلى السلطات في ألمانيا ، واشتعال الحرب العالمية الثانية نتيجة لأحلام هتلر التوسعية . ثم رحلة ( هيس ) المشؤومة إلي بريطانيا .
بعد 4 سنوات من رحلته المفاجئة إلى بريطانيا عاد ( هيس ) النائب الأول لهتلر في زمن الحرب إلي ألمانيا . يقول في مذكراته ..
” نظرت من النافذة لأرى ألمانيا راكعة .. جريحة ، و نورمبرج منكسة الرأس . نعم ، رأيت ألمانيا وكأنها تبكي . ”
وفي نورمبرج بدأت محاكمة قادة النازية وقد غاب عنها الأربعة الكبار ..
هتلر .. وكان قد انتحر في 30 ابريل 1945 مع صديقته ايفا براون ، وقد أحرقت جثته .
هملر .. وقد انتحر بتناول السم أثناء استجوابه .
جوبلز .. سمم أطفاله و أطلق الرصاص على زوجته ، ثم انتحر بعد سقوط برلين .
و روبرت لاي .. انتحر بأن شنق نفسه بمنشفة للوجه .
وفي المحاكمة أعلن هيس ..
” إنني أؤكد لكم أني أتحمل المسؤولية كاملة عن كل ورقة وقعتها أو اشتركت في توقيعها مع آخرين . إن رأيي من حيث المبدأ بعدم اختصاص المحكمة لا يؤثر في إقرار مسؤوليتي كاملة ”
وبعد 217 يوما من بدء المحاكمة صدرت الأحكام و كان الحكم على ( هيس ) بالحكم مدي الحياة في قلعة شبانداو . وهكذا تحول النائب الاول لرئيس الدولة إلي السجين رقم 7 في الزنزانة 23 بقلعة شبانداو تحرسه قوات دول الحلفاء الأربعة ( بريطانيا وفرنسا وأمريكا والاتحاد السوفييتي ) بالتبادل . وتحولت قلعة شبانداو إلى أحصن سجون العالم تحرسها قوات الدول الأربعة العظمى على مدار العام .
كان يصحبه في سجنه زملائه من قادة النازية ، وبالتدريج مات منهم من مات وانتحر من انتحر و منهم من تم الإفراج عنه لأسباب صحية أو بعد قضاء مدته ليصبح هيس هو السجين الوحيد في قلعة شبانداو . وبتقييم وضع السجين و الحراسة المفروضة نجده استحق بجدارة لقب أغلى سجين في العالم .
والواقع أن هيس لم يفرج عنه لأسباب عديدة ..
فقد كان ( هيس ) مسؤولا لفترة عن معسكرات التعذيب في أوشفيتز ، وهو ما جر عليه غضب الكثيرين ، ومنهم اليهود بالطبع . ويظل ( هيس ) أيضا هو الوحيد من قادة النازية الذى أعلن ثباته على مواقفه السياسية ، وان هتلر زعيمه ، وأنه سيظل نازيا رغم كل شئ .
، أما السبب الرئيسي فهو رفض الاتحاد السوفييتي الصارم للافراج عنه . لقد كانت ألمانيا مقسمة إلي شرقية وغربية ، وكانت قلعة شبانادو في قلب ألمانيا الغربية ؟، إن قرارات محكة نورمبرج أعطت للروس و الامريكان والفرنسيين والانجليز حق الحراسة في شبانداو وبالتالي فإن القوات الروسية تخترق برلين الغربية بمنتهي الحرية متجهة إلى شبانداو . إن وجود ( هيس ) في ألمانيا الغربية هو مسمار جحا للسوفييت ، وإذا نزع المسمار فإن جحا الروسي لن يدخل برلين الغربية .
في العام 1968 كان الالتماس الثالث للافراج عنه .. جاء فيه ..
” إن هيس يبلغ الآن 74 عاما . وهو مسجون منذ 28 عاما . هناك العديد من الشخصيات البارزة في العالم تطلب الافراج عنه ، ومنهم ( تشرشل ) ذاته . لقد أعلنتم ان العام 1968 هو عام حقوق الانسان ، فهل لي أن أقترح إعادة النظر في قضية ( هيس ) علي أساس إنساني بحت ؟! ”
وجاء الرد بالرفض
في العام 1971 كتب هيس في مذكراته ..
” الآن انا السجين الوحيد في شبانداو بعد موت البعض والافراج عن الباقي. مسجون منذ 30 عاما
. الزنزانة عالمي ، وإلى متي سأبقى هنا ؟ . هذا علمه عند السماء ”
واستمر ( هيس ) في زنزانته لأبعد من ذلك . ل16 عاما اخرى بعد السطور السابقة . وحيد في سجن تحرسه 4 دول نسيت خلافاتها وتفرغت لحراسة عجوز في التسعين من عمره .
وفي العام 1987 نجحت محاولة ( هيس ) الثالثة للانتحار . كان هيس آخر النازيين الذين حوكموا في نورمبرج وقد مات عن عمر 92 عاما .
وينشر طبيبه المعالج في السجن حوارا له مع ( هيس ) .. جاء فيه ..
_ هيس .. هل لو عادت الأمور مرة أخرى .. هل تسلك نفس الطريق ..؟
وبعناد يرد السجين ..
_ بلا شك . سأسلك نفس الطريق وسأنتهي هنا في سجن شبانداو أيضا ..
منقول من مجله مدارات الالكترونيه ..
رابط المقاله :http://madarat.info/archives/351[/b]